• 2021-12-16

أستاذ وأستاذة

ما انفك مجمع اللغة العربية يبذل جهودا عظيمة لتخليص العربية من الشوائب التي تعلَقُ بها منبعثة من عدة أسباب، ليس ههنا مقام عرضها، ويسعى المجمع إلى حل المعضلات، وينظر في كل لفظ طارئ من المشكلات؛ حرصا منه على أن تواكب العربية العصر بمستجداته الدائمة.

ومن القضايا اللغوية الملبسة على الكثيرين مسألة وصف المرأة بدون علامة التأنيث في ألقاب المناصب والأعمال، فهل يجوز أن يقال فلانة أستاذ الرياضيات وفلانة عميد الكلية، وفلانة رئيس القسم، وفلانة مدير المركز، ونحو ذلك من الألقاب الكثيرة.

والحق أنها مشكلة جديدة قديمة، وقف عليها علماؤنا الأقدمون من أمثال ابن جني وابن السّكّيت والمطرزي - رحمهم الله - وناقشها علماؤنا المحدثون من أمثال الأساتذة محمد شوقي أمين وعباس حسـن وعبد الكريم خليفة من أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة رحمهم الله.

ويظهر من المذكرة التي قدمها الأستاذ محمد شوقي أمين إلى المجمع ونشرت في العدد الثاني والثلاثين من مجلة المجمع بعنوان " رأى جديد من قديم " - أن المسألة فيها تفاصيل بين جواز التذكير ومنعه.

وقد ذكر الأستاذ محمد شوقي أمين أن نهج العربية هو مطابقة الصفة لموصوفها، أي أنه يقال: هذه أستاذة الرياضيات، وفلانة عميدة الكلية، ولكن الذوق الحديث يميل إلى حذف تاء التأنيث إذا كان اللفظ اسما لوظيفة عامة يشملها الرجال والنساء على السواء. وعلى هذا يجوز أن يقال: فلانة أستاذ القانون، وفلانة عميد الكلية؛ لأن ذلك من الوظائف التي يشغلها الرجل والمرأة على حد سواء، من غير تفرقة بين الصفة - كالوزير والعميد والمدير والرئيس - وبين الاسم الجامد كالأستاذ والإمام والعضو.

وهذا اللفظ الأخير مما كثر السؤال عنه، فهل يجوز مثلا أن نقول: فلانة عضو مجلس إدارة الشركة؟ أم أن الصواب: فلانة عضوة مجلس إدارة الشركة؟ ولا بأس من الإشارة إلى أن بعض اللغويين يرى فيه جواز التذكير والتأنيث، فيجوز أن يقال: فلانة عضو في مجلس الإدارة، وفلانة عضوة في مجلس الإدارة؛ وذلك قياسا على لفظ "شِلْو" فيقال: هذه شِلْو وشِلْوَة. بيد أنه لم نتمكن من توثيق فصاحة "شلوة" في العربية، ولم أعثر عليها في المعاجم العربية المعتمدة إلا في (التكملة والذيل والصلة، للسيد محمد مرتضى الزَّبيدي) فقد ذكر في باب (شلو) أن " الشلو بالكسر: البقية ... وبِهاء: العضو". وإذا صح نقل الزبيدي - رحمه الله - فإن المعنى عندي ينصرف إلى العضو من اللحم أو البدن، أو بقية منه، أو قطعة منه كما نصت عليه المعاجم، وكما نص عليه الزبيدي نفسه. وفي حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في القوس التي أهداها له الطفيل بن عمرو الدوسي على إقرائه إياه القرآن: " تَقلّدها شِلوَة من جهنم". ولم أتمكن التحقق من صحة الحديث، رغم بحثي المطول عنه، ولم أجد تأنيث اللفظ في غير هذا الحديث، رغم أنه ورد في عدة أحاديث من غير تاء. بيد أن ابن منظور علق عليه قائلا: "ويروى: شِلوا، أي قطعة منها." (لسان العرب باب شلا)، ويغلب على ظني أنه تفسير يدل على أن التاء دخلت على "شلو" مجازا، فلا يعقل أن معناه شخص مؤنث من جهنم.

وبهذا يتبين أن لفظ شلوة بالتأنيث - إن صح - لا يجري على معنى شخص المؤنث العاقل. وأما أفضلية تأنيث عضو في صفة المؤنث فمرجعها موافقتها للعربية في سَنَنها؛ لأن نهج العربية هو مطابقة الصفة لموصوفها كما تقدم.

ولا ريب أن هذا أكثر قبولا على السمع العربي الفصيح، ولا يلزم القياس على "شلو" و"شلوة"، فالأمثلة على هذا النوع ليست شائعة، فضلا عن أن تذكير "شلو" مألوف مقبول على السمع، وأما خلافه - أي التأنيث - فهو معيب لدى معظم اللغويين.

وامتحن لسانك أن تقول: هند معلم الفصل، وليلى مدرب الفريق، والدكتور فاطمة طبيب العائلة، والأستاذ مريم موجّه اللغة العربية، تجد ذلك كله قبيحا على لسانك، مدفوعا عن فطرتك، وهل تستسيغ: هذه المرأة ممرض!! فمثل هذا وغيره دليل على عدم قبول تذكير المؤنث في تسمية الوظائف العامة على النحو الذي زعمه بعضهم.

هذا وقد حسم مجمع اللغة العربية بالقاهرة هذا الخلاف بقراره ذي الرقم (د/44ج/7) الصادر عن مؤتمر المجمع بتاريخ 21/3/1978م الذي نص على أنه:
"لا يجوز في ألقاب المناصب والأعمال – اسما كان أو صفة – أن يوصف المؤنث بالتذكير، فلا يقال: فلانة أستاذ، أو عضو، أو رئيس، أو مدير ".

ولا مناص من تبني قرار مجمع اللغة العربية، ومنحه نفوذ التطبيق؛ منعا للتردد وحسما للخلاف؛ فذلك أجدى وأيسر، فإنه - إن شاع في أوساط المثقفين وطلبة العلم - يسود في سائر المؤسسات. ولذلك أدعو إلى منع تذكير هذه الألفاظ في صفة المؤنث.

(انظر للتفصيل في المسألة: مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاما، أخرجها وراجعها محمد شوقي أمين وإبراهيم الترزي، وانظر مذكرة الأستاذ شوقي أمين في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ج32، نوفمبر/ 1973م، ص 96 – 99).

آخر أخبار أ.د. علي محمد نور المدني

  • سعادة الصحبة

    2022-10-17

    يسعدك توفيق رب العالمين بصحبة الصالحين الراغبين عن الشهرة والوجاهة، العازفين عن قبول المديح والثناء، المقبلين على الدعوة بخُلُقهم الحسن. كذلك كان الشيخ الجليل الوقور عبدالرحمن الجودر رحمه الله. كانت صحبتي إياه نفيسة من النفائس استقرت في مكنون النفس. ...

  • في الحض على تعلُّم العربية وإعراب القرآن وذم اللحن - 2

    2022-08-19

    هلَّ على العرب نور الإسلام، فآمنوا به، وحملوه إلى الناس، واستقبله الأعاجم مؤمنين به، فوقعت المخالطة والمصاهرة بينهم، فتداخلت الألسُن، وشابت العربية ألفاظ وتراكيب أعجمية. ولما كان العرب قد خالطوا الأعاجم بعد دخولهم في دين الله أفوجاً تأثر بعضهم بهم فو...

  • في الحضِّ على تعلُّم العربية وإعراب القرآن وذم اللَّحن - 1

    2022-07-18

    كان الهدف من نشوء علم العربية، وتأسيس قواعده، وشيوعه، والتأليف فيه منذ نهاية القرن الأول الهجري هو الحفاظ على اللغة، وفهْم مقاصدها؛ لفهْم معاني كتاب الله، واستيعاب مقاصد الشريعة، فنشِط العلماء - بهمة بالغة - في تصنيف كتب النحو والصرف، والبلاغة، وفقه ...

  • لِمَ عُني علماؤنا بالرياضيات 2/2

    2022-04-23

    تقدَّم في الجزء الأول من هذا المقال ذكر مجموعة من علماء الرياضيات، وليس مقصودنا حصْر علماء الإسلام المهتمين بالرياضيات والعلوم المختلفة، ولكن حسبنا الوقوف على طائفة أخرى من الأمثلة؛ ليتبين منها أن منطلق اهتمام علمائنا بالرياضيات - (ابتداءً من أهم فرو...

  • لِمَ عُنِي علماؤنا بالرياضيات 2/1

    2022-03-22

    في القرون الوسطى كان الغرب يرزح تحت عبودية رجال الدين، ويقبع في ظلمات الجهالة، وكان العِلْم التجريبي محرَّما عليهم، وكان العلماء يعلَّقون على حبال المشانق، أو يحرَّقون أمام الملأ، وكانت مؤلفاتهم العلمية تُحرَق، وفي أحسن الحالات تصادَر ويحرَّم تدريسها...